لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: فرص التوصل لصفقة واجتياح رفح المحتمَل

أوضح بشارة أن إعادة بناء منظمة التحرير، هي السبيل الوحيد لترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني إلى إنجاز سياسي؛ ذلك أن "طرفي المشهد السياسيّ الفلسطينيّ، بحاجة إلى منظمة التحرير، حتى لا يستمرّ الصراع على سلطة فاقدة للسيادة".

لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: فرص التوصل لصفقة واجتياح رفح المحتمَل

د. عزمي بشارة، خلال الحوار

قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، خلال حوار، أُجري معه عبر "التلفزيون العربي"، مساء الأحد، بشأن الحرب على قطاع غزة، إنه يتوجّب على القاهرة أن تقدّم إنذارا علنيًّا لإسرائيل بشأن اجتياح رفح.

وذكر بشارة خلال الحوار أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لا يريد الحديث عن مرحلة ثانيةمن الاتفاق؛ يجري خلالها نقاش وقف إطلاق النار. وشدّد بشارة على أن التصريحات الأميركية تشبه النصائح للحكومة الإسرائيلية، "بدون ضغط حقيقيّ" عليها.

وفي حين ذكر بشارة أنه "يُفترض نظريًّا أن تتبع السلطة الفلسطينية لمنظمة التحرير"، لفت إلى أن "الذي جرى هو العكس". وفي الصدد ذاته قال إنه "تمّ التعامُل مع منظمة التحرير كأداة، وجرى تفريغها من مضمونها". وأوضح أن إعادة بناء منظمة التحرير، هي السبيل الوحيد لترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني إلى إنجاز سياسي؛ ذلك أن "طرفي المشهد السياسيّ الفلسطينيّ، بحاجة إلى منظمة التحرير، حتى لا يستمرّ الصراع على سلطة فاقدة للسيادة".

اجتياح رفح

وعن تقديره لنوايا الاحتلال الخاصة باجتياح رفح، عدَّ بشارة أن الأمر يتعلق بما إذا كان سيصدر إنذار مصري رسمي وعلني لإسرائيل من نوع أن عملية اجتياح رفح سيعني انتهاء اتفاق السلام، وأن ترسل مصر فعلا قواتها العسكرية إلى الحدود، وعدم الاكتفاء في رفض التهجير وكأن كل شيء آخر مسموح.

وفي هذا السياق، لم يستبعد بشارة أن تل أبيب تخطط لاجتياح رفح قبل حلول شهر رمضان، بالتالي ربما يعملون على أن تكون الهدنة في رمضان.

وسخر بشارة في غضون ذلك من أن "النصيحة الأميركية لإسرائيل مفادها ادخلوا إلى رفح لكن بخطة". وتعليقا على كلام بايدن أنه أقنع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفتح المعبر، رأى بشارة أن كل ما يتعلق بمعبر رفح أوراق مصرية تُستعمل للضغط، بدليل أن القاهرة تجاهلت تنفيذ قرارات قمة الرياض (القمة الإسلامية ــ العربية) وقرارات محكمة لاهاي التي تفيد بضرورة فتح المعبر.

منظمة التحرير الفلسطينية خطوة ضرورية لإفشال "اليوم التالي"

وأفرد الحوار جزءا واسعا لموضوع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بوصفه خطوة ضرورية لإفشال "اليوم التالي" بمفهومه الإسرائيلي، أو "يوم نتنياهو" التالي، لأن نجاح "اليوم التالي" لن يؤدي إلا إلى بدء ثلاثين عاما جديدا شبيهة بالعقود الثلاثة لما بعد أوسلو. أكثر من ذلك، أشار بشارة إلى أنه في حال نجح "اليوم التالي" ذاك، أي إن تم إحضار السلطة الفلسطينية الحالية لتحكم غزة بمعزل عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، "فهذا يعني حربا أهلية جديدة ومقاومة جديدة" على حد تعبير بشارة الذي نبّه في الوقت نفسه إلى أنه بعد الحرب "لا تستطيع حماس أن تحكم غزة وحدها حتى لو لم تحقق إسرائيل نصرا عسكريا حاسما".

وافترض بشارة أن فصائل المقاومة تريد تحقيق إنجاز سياسي للشعب الفلسطيني، لافتا إلى أن الإطار الذي يتيح لها فعل ذلك هو منظمة التحرير.

وشدد على أن الطرفين، فصائل المقاومة والسلطة، بحاجة إلى منظمة التحرير "إذا أرادا أن يبقى الفلسطينيون شعبا وليس أطرافا متخاصمة على سلطة فاقدة للسيادة، وهذا هو فخ أوسلو، صراع على سلطة من دون سيادة".

وذكّر بأنه داخل منظمة التحرير لطالما كانت هناك أطراف رافضة لأوسلو، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبالتالي فإن حجة أنّ حماس والجهاد لا يمكنهما الانضمام إلى المنظمة لأنهما ترفضان أوسلو، كلام مردود على أصحابه وغير صحيح.

وفي حين جزم بشارة بأن الغالبية الساحقة من الفتحاويين كقواعد وكقيادات، لا يرضون بهذا الصمت الرسمي حيال غزة، فإنه قدم مطالعة تاريخية عن ظروف تأسيس منظمة التحرير كممثل رسمي للفلسطينيين بقرار من جامعة الدول العربية عام 1964 وتكريس هذه الصفة في 1974. واستفاض في شرح كيف تحولت بالتدريح من هيئة رسمية تمثل الشعب الفلسطيني إلى كيان حقيقي ودولة نظرية للشعب الفلسطيني وحصلت اعترافات كثيرة بالمنظمة كممثلة عن الفلسطينيين، حتى أنه في بداية الثمانينات كان عدد من يعترف بالمنظمة أكبر من عدد العواصم التي تعترف بدولة إسرائيل. أكثر من ذلك، كانت المنظمة المثال لحركات التحرير الوطني في العالم على حد تعبير مدير "المركز العربي".

وذكّر أنه بعد أوسلو، أقيمت السلطة ونشأت الازدواجية بين المنظمة والسلطة، وما حصل أن السلطة صارت تحاول جعل المنظمة جزءاً منها بدل العكس. وتوقف بشارة عند انتخابات 2005 وفوز حماس في المجلس التشريعي، وكيف أيقظت السلطة المنظمة لإقصاء حماس، أي أنها أصبحت أداة بيد السلطة. وخلص إلى أنه "إذا أردنا إحياء المنظمة، يجب أن تشمل كل الأطراف، وهذا أصبح ضرورياً".

وأكد بشارة أن حماس والجهاد كانتا منذ البداية ضد المنظمة "لكن حصل تطور في فكر حركة حماس وفي موازاة ذلك بدأت تصعد شرعيتها بسبب الكفاح المسلح بعدما تخلت فتح عن ذلك الكفاح الذي يرفع بطبيعة الحال منسوب الشرعية الشعبية".

وبعد 7تشرين الأول/ أكتوبر، وفق بشارة، أصبحت شرعية حماس "كاسحة وخطابهم أصبح مختلفا وصاروا يصفون أنفسهم كحركة تحرر، وهم باتوا جاهزين ليكونوا جزءا من منظمة التحرير".

وأسف لحقيقة أن الممسكين بالسلطة يريدون احتكار المنظمة وليس من مصلحتهم إدخال قوى إضافية لأن ذلك فيه شراكة، بما أن دخول المنظمة لا يعني دعم قيادتها الحالية، على حد تعبير بشارة.

عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار

وردًّا على سؤال حول مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار على ضوء رد حركة حماس على اتفاق باريس وانقلاب بنيامين نتنياهو على مشروع الاتفاق، استبعد بشارة حصول نتائج إيجابية قريبا، لأن نتنياهو "يحاول أن يعرقل اتفاق الإطار المتفق عليه في باريس والذي كانت إسرائيل ممثلة فيه وكذلك أميركا".

وتوقف بشارة عند حقيقة أن مصر وقطر وحماس اتفقوا في ما بينهم على تعديل رد "حماس" على اتفاق الإطار وأخذوا ملاحظات الأميركيين في الاعتبار وأرسل الرد المعدل إلى إسرائيل ونوقش في الحكومة هناك فجاء الرد سلبيا من تل أبيب.

وكشف أن الرفض الإسرائيلي يضرب معظم بنود الاتفاق ولا يُبقي إلا المرحلة الأولى من الاتفاق. حتى في ما يتعلق بتلك المرحلة، فإن نتنياهو يرفض مدة المرحلة الأولى (45 يوما) وأصبح يشترط أن تدوم فقط لـ35 يوما على أن تكون المرحلة الأولى تلك هي الوحيدة بدل المراحل الثلاث المنصوص عليها في اتفاق باريس.

وأوضح بشارة أنه لا يوجد لدى حماس أي دافع لتقديم تنازلات إن لم يتوقف إطلاق النار وهذا لا يتوفر في هدنة لـ35 يوما.

وذكر أن الاحتلال يرفض أي شرط عن وقف اقتحامات المسجد الأقصى والسجناء في الضفة وتوزيع الإغاثة في كل القطاع وعودة السكان إلى شمال غزة والوسط وأن تحدد "حماس" هوية 500 أسير من ضمن الألف الذين يفترض أن يُفرج عنهم في مقابل الرهائن الإسرائيليين.

واختصر بشارة الوضع الحالي بالقول إن نتنياهو لا يريد اتفاقا يؤدي إلى وقف إطلاق النار، لذلك يرفض أي مرحلة تلي الأولى، وهو يتراجع عن اقتراحات وافق عليها ممثلو الحكومة الإسرائيلية في باريس.

أهداف الحرب

ورجّح بشارة أن تذهب إسرائيل حتى النهاية في عدوانها على القطاع، لأن ذلك هو أساس الوحدة والكابينيت "وكل الإستراتيجيات التي وضعت تقوم على الذهاب إلى النهاية في الحرب وأهدافها، لذلك يصعب أن يتراجعوا إلا إن طرأ تغيير كبير" خارجي أو داخلي، وهذا غير واضح حتى الآن.

وتابع بشارة أن لا عوائق عربية أو أميركية حقيقية لخطط نتنياهو وفريقه، و"أقصى ما نسمعه أحياناً النقد الأميركي وهذا مع أنه جديد إلا أنه كلام نظري يشبه النصائح ولا يُترجم تحذيرا لنتنياهو".

وبرأي بشارة، ربما تكون قناعة حقيقية تكوّنت عند الأميركيين مفادها أنهم تورطوا في الذهاب إلى النهاية دعما لنتنياهو ثم اكتشفوا أنه رجل غير وفي، ولكن مع كل ذلك لم يترجم ذلك سياسيا في الموقف من الحرب.

وفي إطار متصل، أضاف بشارة أن أميركا كأنها أصبحت في ورطة، فبعد الدعم المطلق لإسرائيل، لم يعد الرئيس الأميركي جو بايدن قادرا على الاستمرار ولا تغيير الموقف، ذلك أن الاستمرار بالدعم المطلق يكلفه مزيدا من خسارة أصوات فئات واسعة من الحزب الديمقراطي، والتغيير الحقيقي يتسبب بفقدان دعم مؤيدي إسرائيل في الحزب نفسه.

وعن أهداف الحرب، شرح بشارة أن القضاء على حماس كتيار غير قابل للتحقق، لذلك "صاروا يكتفون بالحديث عن القضاء على الجناح العسكري لحماس، وعلى قدرتها على حكم غزة، وهذا هدف واقعي، لذلك يتحدثون عن أشهر حتى عن سنة، وهذا أمر يجب التعاطي معه بجدية" وفق تقدير بشارة الذي كرر أنه يمكن وقف الاحتلال وخططه لو وُجدت نية عربية وغربية لفعل ذلك.

ووافق بشارة على أن هناك هدفا أساسيا مهما جدا حققوا جزءا أساسيا منه، هو جعل غزة مكانا غير قابل للحياة، "وهذا يقود حتما إلى الإبادة".

تضرُّر مصداقيّة إيران

وعن تطورات الجبهة اللبنانية ــ الإسرائيلية، وتوقعاته في ما يتعلق بها، رجح بشارة أن تصعّد إسرائيل عسكريا لإدراكها أن حزب الله وإيران غير معنيين بالحرب.

وأعرب بشارة عن ثقته بأن إسرائيل ستضغط لتطبيق الـ1701 (الذي أنهى حرب صيف 2006 وينصّ على انسحاب مسلحي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، بعيدا عن الحدود مع فلسطين المحتلة) ولترسيم الحدود البرية وهنا المجال متاح لانتزاع تنازلات من نوع الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا مقابل تطبيق الـ1701.

وعن مدى واقعية حصول ذلك، ذكّر بشارة بأن كل شيء ممكن بدليل موافقة حزب الله على ترسيم الحدود البحرية (قبل نحو عامين بوساطة أميركية).

ووصف مصداقية إيران على مستوى العالم العربي بأنها في نسق تراجعي، نتيجة لسلوك طهران منذ حرب 7 أكتوبر.

وكان بشارة، قد أوضح خلال الحوار الأخير الذي أُجري معه عبر "التلفزيون العربي"، أنه يرى أن فلسطين تقف عند مفترق طرق حاليا، بين تصفية قضيتها والتفريط بدماء أبنائها وتضحياتهم، أو إيجاد حلّ عادل لها لا يمكن التوصل إليه إلا بتوحيد كل الفلسطينيين في إطار واحد يترجم الإنجازات العسكرية للمقاومة إلى نتائج سياسية تخدم قضيتهم.

وفي حين أشار بشارة إلى وجود انتقام أميركي من المقاومة وليس فقط من قبل إسرائيل، فإنه وصف مشروع الدولة الفلسطينية كما تقترحه إدارة الرئيس جو بايدن بأنه مجرد تحويل اسم السلطة الفلسطينية إلى دولة فلسطينية.

التعليقات